Site icon ميجا تقني

الذكاء الاصطناعي ونقطة من أول السطر

الذكاء الاصطناعي

السلام عليكم،

إذا كان باستطاعتك الوصول إلى هذا المقال اليوم فأنت بالفعل قد سمعت عن هذا الشيء الذي استحوذ على تفكير كل شركات التقنية – احتل وادي السيليكون – في الفترة الأخيرة، حتى إنّ هناك جرائد عالمية قد خصصت أقسام كاملة من أجل هذا الاختراع الذي سيغيّر وجه الكرة الأرضية.

تضخيم إعلامي غير مسبوق كما حدث بالضبط مع أي شيء لا يفهمه الناس، كل الجرائد كتبت عن هذا الاختراع وكل الناس تتحدث عن هذا الذكاء وكيف أنه سيقضي على العديد من الأعمال وكيف انه سيغيّر مجرى الأمور على الكوكب حتى أنّه يوجد تكهنّات بأن الـ Robots سيحتل كوكب الأرض ويستعبد بني البشر وستتحقق النبوءة كما في أفلام Hollywood.

فما هو الذكاء الاصطناعي إذاً؟

الذكاء الاصطناعي أو الـ AI اختصاراً لـ Artificial Intelligence هو سلوك معيّن يتبعه الكمبيوتر – دعونا نطلق على كل الآلات كمبيوتر – ليكون قادراً على محاكاة العقل البشري وقدرته الذهنية على حل مشكلات لم يتم برمجتها أو كتابتها مسبقاً.

بهذا المعنى السابق يمكننا استنتاج أنّ هناك أجهزة كمبيوتر تستطيع محاكاة العقل البشري بكامل طاقاته، التفكير والتحديد والاستنتاج، القدرة على التعلم والقدرة على اتخاذ القرار، هذا كان الذكاء الاصطناعي بكل بساطة.

يُستخدم الذكاء الاصطناعي – بمعناه الاصطلاحي –  في العديد من المجالات الآن غير أنّه قادراً على حل المشكلات الكثيرة والتي تقابل بني البشر في شتى نواحي الكرة الأرضية، فلقد أُدخِل في الطب والهندسة والطيران، وأصبح الآن ينذر بحريق أو كارثة طبيعية في بلاد ما وراء البحر المتوسط.

وليس وليد اللحظة أو القرن 21 بل هو موجود منذ خمسينيات القرن الماضي حتى قبل اختراع الحاسوب الرقمي كانت هناك آلة تحاكي عملية التفكير الحسابي لدى الإنسان وقد نجحت بشكل كبير، استمرت الأبحاث في نهج الذكاء الاصطناعي فترة من الزمن حتى حدثت الانتكاسة العظيمة والتي أخرت هذا التقدم الهائل في مجال الكمبيوتر.

ففي عام 1965، هـ. أ. سيمون : “الآلات ستكون قادرة، في غضون عشرين عاما، علي القيام بأي عمل يمكن أن يقوم به الإنسان”

انتكاسة عام 1974 عندما ضغط الكونجرس الأمريكي على الحكومة من أجل تمويل مشاريع أكثر إنتاجية لأنهم لم يكونوا يرون أن الذكاء الاصطناعي ذا فائدة فلم يكن الكمبيوتر يشكّل هذه الأهمية التي يشكلها اليوم في حياة البشر وحتى العام 1985 عادت التمويلات الحكومية بشكل ضخم بسبب نجاح أبحاث النجاح التجاري “للنظم الخبيرة” (احد برامج الذكاء الاصطناعي التي تحاكي المهارات التحليلية البشرية).

ظلت التمويلات مستمرة في أبحاث الذكاء الاصطناعي حتى العام 1987 (انتكاسة أخرى في أبحاث الذكاء الاصطناعي وضعف التمويل) في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الواحد والعشرين بدأت التمويلات من جديد ولكن بشكل أضخم من كل ما سبق لأن الكمبيوتر دخل في العديد من الصناعات وأصبحت تجارته تقدر بمليارات الدولارات نظراً لأهميته الحالية والمستقبلية التي تنبأت بها العديد من شركات التقنية في هذا الوقت.

واليوم نقطف ثمار هذه الأبحاث على هيئة كمبيوتر منزلي وكمبيوتر محمول وهاتف ذكي وشبكات عالية الدقة وقدرة على حل المشاكل بمساعدة الآلات ولكن هل بالفعل ما يُشاع عن تقنية الذكاء الاصطناعي تلك حقيقة ؟! هل الكمبيوتر قادر على أن يمتلك عقل صناعي يُحاكي العقل البشري أم أنّ الأمر خدعة كبيرة؟ ولو كان خدعة فمن المستفيد منها؟! بالمناسبة هذه مشكلة فلسفية كبيرة وليست رأي شخصي.

نقطة ومن أول السطر

يرى الكثير من الناس – وأنا منهم – أنّ الأمر ما هو إلا تهويل إعلامي كبير، حيث الإعلام الموّجه المملوك لجهات معينة تصب في مصلحة أشخاص معينين فقط.

تعالى نتحدث بشكل منطقي بعض الشيء، أنت تمتلك هاتف ذكي، الكثير من هذه الهواتف فيها المساعد الشخصي الذكي الذي يتحدثون عنه طيلة الوقت – أنا لديّ سيري – هذا المساعد الشخصي يقولون عنه في الإعلام انه الذكاء الاصطناعي بعينه وفي كل تحديث لـ Siri تجد جملة (أصبح أكثر ذكاء) فكيف يكون ذكي وهو لا يستطيع أن يكتشف بنفسه ما الرابط بين عدة أرقام متسلسلة مثل 123 ؟!

لن ننكر أنّ Siri هو محور نظام الـ IOS ويكاد يعرف كل شيء وينفذ مهام بشكل قوي جداً ولكن كل هذه المهام مكتوبة ومبرمجة مسبقاً أصلا، مثل مهام الاتصال وتحديد المواقع وفتح التطبيقات والاطلاع على حالة الطقس والقيام بتحديد الأرقام وحل المشكلات الرياضية والمنطقية، ولكن أين الذكاء في هذا وهو كل ما يفعله مكتوب مسبقاً.

ستقول أن Siri ليس قمة التقدم في أبحاث الذكاء الاصطناعي، ستقول أيضاً أنّ جميع المساعدات الشخصية مثل Cortana من مايكروسوفت وGoogle Assistant تنفّذ مهام مبرمجة مسبقاً، دعني أسألك ما هو الشيء الذي يمثل قمة التقدم في الذكاء الاصطناعي؟! هناك إجابة الجميع يعرفها وهي صوفيا التي تجنست بالجنسية السعودية في العام المنصرم ومعظمنا قد رأى هذا الفيديو الذي ترد فيه على جميع الأسئلة بإتقان شديد وتعرف كل شيء عن كل شيء وتستطيع أن تغني حتى وتخبر بالنكات وتحريك شفتيها وإبداء المشاعر وعندما سألها المستضيف “هل ستدمرين البشر؟” ردت بالإيجاب.

إذا كانت هي قمة الذكاء الاصطناعي فما الذي تفعله هي لا تستطيع فعله المساعدات الشخصية مثل Cortana – دعونا نختار Cortana لأنها موجودة على الكثير من الكمبيوتر – ؟ إذا كنت تعمل على Windows 10 فقم بتشغيل Cortana الآن وتحدث معها، اخبرها أن تغنّي لك وستغني اخبرها أنك متعب وستواسيك، اطلب منها تحديد المواعيد أو المواقع أو المنبهات، اخبرها أن تشجع الفريق الفلاني في دولة ما وستوافيك بكل أخبار هذا الفريق، اطلب منها أن تخبرك بالنكات وستفعل.

ما الفرق الجوهري إذا بين صوفيا وكورتانا؟ لا أرى أي فرق سوى أن صوفيا لديها قدرة على تحريك بعض المحركات ومبرمجة مسبقاً على إجابة العديد من تلك الأسئلة، فانا مبرمج وأتحدى أي كمبيوتر أن يكتشف العلاقة بين هذه الأرقام التالية (3، 4، 12، 36، 108) إلا إذا أخبرته أنا مسبقاً بالعلاقة ولكن ما الجدوى منه إذا تغيّر السؤال وتغيّرت العلاقة والأرقام؟

هذا هو الذكاء الاصطناعي الذي أتحدّث أنا عنه، هذا هو التفكير المنطقي الذي يتحدثون عنه دوماً، صوفيا ذكية – على حد تعريف الذكاء بالنسبة لك – ولكن ذكية بحدود، نتحدث هنا عن الإلمام بكل جوانب الأشياء وليس مجرد معرفة بأبعاد الغرفة وتناسق الألوان بعضها وبعض فهذه مجرد معلومات موجودة في مكان ما على الكوكب وليس للذكاء دخل في هذا الشيء.

ستسألني الآن كيف أن الذكاء الاصطناعي قادر على فهم بعض جوانب المشكلات والقدرة على حلها مثل تحديد رسم هندسي على مساحة معينة أو فهم لغة معينة، هذا يأخذنا لمكان آخر وهو الحقيقي في مسألة الذكاء الاصطناعي تلك، انه الـ Machine Learning أو تعلم الآلة، هذا ما تعتمد عليه نظرية الذكاء الاصطناعي ككل.

فيجب عليك أن تعرف أن محور الذكاء الاصطناعي هو الـ Machine Learning وان الكمبيوتر لا يستطيع التفكير فعلاً فهو مجرد إشارات كهربائية تنبض في المعالج، انه الـ 0/1 فقط ولا غيرهما، إما إشارة كهربية أو لا، ولكن ما يفرق الكمبيوتر العادي عن الكمبيوتر الذكي هو أن الكمبيوتر الذكي زوّد بخاصية التعلم الذاتي وأصبح يريد أن يتعلم الكثير من الأشياء ولكن لا يمتلك التفكير المنطقي لدى عقل الإنسان.

الكمبيوتر لا يستطيع بناء نظرية منطقية أو تحليل اقتصادي أو حل مشكلة قضائية مثل العقل البشري، هذه الفكرة مرفوضة لدى أنصار المنطق البشري شكلاً وموضوعاً، ربما يأتي هذا اليوم الذي سيكون فيه الكمبيوتر قادراً على حل المشكلات النفسية وسماع شكاوي المواطنين ولكن ثق في لن ترى هذا اليوم أبداً، حتى أن أفلام هوليوود التي استبدلت كل الوظائف بالروبوت – افتراضياً – لم تستطع استبدال القاضي والمحامي والطبيب النفسي والمعلم، منطقياً هذا أمر غير جائز في ظل المفهوم الحالي للذكاء الاصطناعي.

وعندما ترى الآلة تستطيع تحديد الهدف وإطلاق الرصاص وتحديد حجم يدها حسب حجم الشيء الذي هي مكلفة بحمله ويخبرونك أن هذا ذكاء اصطناعي فالأمر خدعة كبيرة، هذا ليس ذكاء فأي شخص يعمل في مجال البرمجة يستطيع جعل الآلة تفعل هذا الشيء، إنا شخصياً استطيع بناء آلة عندها القدرة على تحديد حجم يدها حسب الشيء المحمول وآلة لتفكيك المفرقعات بلوحة Arduino فقط، استطيع بناء برنامج يتعلم منك.

لننظر إلى محرك البحث جوجل ونظام البحث ونظام الإعلانات التي تظهر حسب الاهتمام وترتيب نتائج البحث حسب اهتماماتك أولاً وموقعك الجغرافي ثانياً ولغة البحث ثالثاً حتى أن جوجل يرتب لك نتائج البحث بناء على طريقة كتابتك لجملة البحث، ومن بعد جوجل موقع التواصل الشهير فيس بوك الذي يعرف عنك كل شيء تقريباً وبالتالي يظهر لك الأحداث حسب قدرته على تحديد مزاجك.

اقرأ عن أبحاث فيس بوك في التأثير على مزاج الأشخاص، اقرأ عن قدرة فيس بوك على اقتراح أصدقاء لك قابلتهم تواً، انك أن كنت تعتبر أن هذا ذكاء فاعذرني أنت لا تعرف ما هو الذكاء أصلا.

كلها مجرد اكواد وخوارزميات مكتوبة مسبقاً تعتمد على The Big Data – اقرأ عنه في جوجل – أولاً والـ Machine Learning ثانياً، هذه هي المعادلة الحقيقية لأمر الذكاء الاصطناعي.

ابحث عن Jarvis المساعد الشخصي لمؤسس فيس بوك Mark وسترى أن الأمر كله محمول على بيانات موجودة مسبقاً وقدرة على تحديد المطلوب، فعندما تستيقظ يفعل لك المساعد الشخصي ما تحبه (يفتح الأنوار، يشغل الموسيقى، يجهز لك الحمام) هذا لأنه يعرف هذا مسبقاً ويعرف مفضلاتك مسبقاً.

وإن كنت تريد تجربة التحكم في المنزل فلا عليك سوى الحصول على لوحة Arduino ودائرة Relay وبعض المكونات الأخرى إضافة إلى خبرة برمجية مسبقة لتستطيع كتابة الخوارزمية التي تناسبك.

محرك جوجل وفيس بوك ليسا ذكيين لأنهما يعرفان ماذا تحب ويعرفان كيف يجعلون الأشخاص يدفعون المال من أجلك، فقط خوارزمية كُتبت على يد بني البشر إضافة إلى كمية عظيمة من المعلومات التي يعرفونها عنك، هل تعرف أن فيس بوك يستطيع تحديد مكانك من صورة واحدة شاركتها مع أصدقائك حتى ولو كانت صورة سوداء لا يظهر فيها شيء؟

هذا ليس ذكاء بل BIG DATA ، وعندما يعرفك الكمبيوتر من صورتك فهو يعتمد على تقنية الشبكات العصبونية وليس لأنه ذكي، عندما يحدد الهاتف بصمة صوتك فهو لأن صوتك فريد وليس لأن الكمبيوتر ذكي.

الذكاء بمعناه الآدمي غير موجود في الآلة حتى الآن على الأقل ولكن إذا كنت ستعتبر التعلم الذاتي للآلة ذكاء غير بشري فسأوافقك الرأي لكن يجب أن تعترف أن هذا مجرد Machine Learning ليس أكثر من هذا.

ما سبق كان مجرد توضيح لفكرة الذكاء الاصطناعي المنتشرة حالياً، فما المخيف في الأمر ولماذا قلت فيما سبق أنه ربما يكون مجرد خدعة؟ هذا يأخذنا لمنحنى آخر وهو سلبيات هذا التقدم في التعلم الذاتي للآلة.

أخطار تهدد البشرية

ماذا إن قلت لك أنّ 90% من الوظائف (أغلبها من طبقة العمال) مهددة بالانقراض بسبب هذا التقدم في مجال تعلم الكمبيوتر أو مجال الآلة عموماً؟ حسناً سأخبرك بهذا لأن الأمر ليس مزحة وربما تكون قد لمست هذا اليوم في بعض المصانع التي استبدلت العديد من العمال بالكمبيوتر.

تخيّل كيف سيكون شكل العالم و90% من البشر لا يعملون.! هذا أسوأ وجه يمكن أن تراه للكمبيوتر، وهو أن يقصيك من العمل نهائياً فلا تجد ما تأكله، إنهم يبحثون الآن عن مصدر طاقة أرخص من مرتبات الموظفين وعندما سيجدونه لن يكون للبشر مكاناً بين الآلات.

سيناريوهات هوليوود لتدمير الكوكب على أيدي الـ Robots قد تكون محقة ولكن الـ Robots ستدمر بناءاً على رغبة الشخص الغامض الذي يقف خلفها (بشر) وإذا لم تدمر الآلات الكوكب فسيدمره البشر بسبب عدم وجود وظائف، وسيكون لدينا حروب ونهب أكثر من أي وقت مضى، السيناريو مرعب ولكنه نتيجة حتمية للتقدم الهائل في مجال صناعة الآلة.

هذا ليس رأي شخصي أيضا بل انّه رأي العديد من الأشخاص الذين لديهم وزن في مجال التقنية، اعتقد انّك قد سمعت عن المشادة التي حدثت بين مارك زوكربيرج وأيلون ماسك (مؤسس تسلا للسيارات) والتي أخبر فيها ماسك بأن الروبوت يهدد البشرية صراحة ولكن لم يستطع أن يُثني مارك عن استمراره في تطوير الذكاء الاصطناعي للآلات حتى أنّ ماسك كتب تغريدة على تويتر يقول فيها على مارك أنّه محدود الفهم ولا يستطيع رؤية الخطر العظيم (على حد قوله).

ولدى ماسك تغريدة أخرى يقول فيها “الصين، وروسيا، وقريباً جميع البلدان التي تملك القوة في مجال علوم الحاسب. يرجَّح أن تكون المنافسة على التفوق في الذكاء الاصطناعي على مستوى الدول سبباً في اندلاع حرب عالمية ثالثة، في رأيي”.

إما بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت يقول ” في البداية ستقوم الماكينات بالعديد من الوظائف بدلا منا ولن تكون ذكية للغاية، بعد عقود قليلة من ذلك، ستكون ذكية بما يكفي لتكون مصدرا للقلق، أنا اتفق مع إيلون ماسك وآخرين في ذلك، ولا أفهم لماذا لا يقلق البعض”.

وبالعودة إلى غباء الكمبيوتر، إذا قلنا أن المعادلة (كمبيوتر غبي لكنه قوي + شخص متطلع + علم تكنولوجي) فإنها ستساوي في النهاية سيطرة كاملة على بني البشر من قبل أشخاص معينين ولن يكون للكمبيوتر دخل في هذا سوى أنه يطيع أوامر رئيسه الإنسان.

الأمر مخيف فعلاً بمجرد التفكير فيه، الجانب السيئ هنا ظهر بعد أن رأينا أن مشكلة البطالة لا تُحّل بل تزداد سوءاً على سوء، بالإضافة إلى التهويل الإعلامي في مسالة الذكاء الاصطناعي.

“إنّه لمن الغباء فعلاً أن نعتقد أن بعض الإشارات الكهربائية المبرمجة بطريقة ما على يد إنسان قادرة على اتخاذ قرار منطقي والتفكير بشكل منفصل عن صانع قرارها” وهذا رأيي الشخصي

#الذكاء_الإصطناعي
#AI

Exit mobile version